بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين :
وبعد :
تميزت جماعة الإخوان المسلمين عن غيرها من القوى السياسية المعاصرة بعلامتين مميزتين أساسيتين : البيعة والجهاز السري.
وقد بايع الأتباع إمامهم بيعة كاملة في المنشط والمكره، وعاهدوه على السمع والطاعة ، ولم يكن حسن البنا يخفي ذلك على الناس، فهو لم يكن يقبل منهم بأقل من السمع والطاعة، دون نقاش.
فيقول : "يجب على الأخ أن يعد نفسه إعداداً تاماً ليلبي أمر القائد في أية ناحية، إن الدعوة تتطلب منا أن نكون جنوداً طائعين بقيادة موحدة، لنا عليها الاستماع للنصيحة، ولها علينا الطاعة، كل الطاعة في المنشط والمكره" وأيضاً "يتعين على العضو الثقة بالقائد والإخلاص والسمع والطاعة في العسر واليسر" .
فمنذ البداية دب الخلاف في شعبة الإسماعيلية، وحاول البعض التمرد على البنا وأبلغوا النيابة العامة ضده في مخالفات مالية، فكان رد فعل البنا عنيفاً، فقد جمع عدداً من أتباعه حيث "اعتدوا على المخالفين بالضرب".
ويعترف البنا بذلك ويتباهى به ويبرره بأن "المخالفين قد تلبسهم الشيطان وزين لهم ذلك، وأن من يشق عصا الجمع، فاضربوه بالسيف كائناً من كان" ويتأسف البنا على رفض البعض لضرب المخالفين وردعهم قائلاً : "إننا قد تأثرنا إلى حد كبير بالنظم المائعة التي يسترونها بألفاظ الديموقراطية والحرية الشخصية".
أما العلامة المميزة الثانية فهي الجهاز السري الذي مارس عمليات إرهاب وقتل – كانت البداية والنموذج والقدوة للإرهاب المتأسلم. وقد تدرج الفكر التنظيمي لحسن البنا في سلاسة ويسر ليصل إلى هذا الهدف غير المعلن، فبدأ "بالجوالة" بهدف تعويد الإخوان على النظام شبه العسكري، وتدريبهم على الطاعة التامة والتفاني المطلق.
ثم كانت "كتائب أنصار الله" وهي مجموعات تضم كل منها أربعين عضواً من الأعضاء النشطين في الجماعة يلتقون معاً ليلة كل أسبوع حيث يقضون الليل في العبادة والتلاوة . .. والعيون اليقظة تتابع ذلك لتفرز منه من يصلحون للجهاز الخاص .
ولقد أنكر البنا طويلاً أنه يوجد ثمة جهاز خاص، ونفى ذلك نفياً قاطعاً، بل لقد وصف القائمين بأعمال النسف والتفجير والقتل عام 1948 – 1949 بأنهم "ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين"
وظلت الجماعة على إنكارها لوجود الجهاز الخاص حتى برغم اعترافات عشرات بل مئات من أعضائه أمام محكمة الشعب، وقيل ساعتها أنها أكاذيب أمليت وترددت تحت وطأة التعذيب ..
ثم لا تلبث الحقيقة أن تظهر عندما يتنافس رجال الإرهاب الإخواني القدامى في كتابة مذكرات يحاول كل منها أن ينسب إلى نفسه أكبر قدر من القتل والإرهاب .. فكانت مذكرات صلاح شادي – أحمد عادل كمال – عبد المنعم عبد الرؤوف – محمود الصباغ. وقد اعترفوا جميعاً بأعمال إرهابية بشكل مثير للدهشة، لأنهم تحدثوا في تباه وتمجيد للفعل الإرهابي، مؤكدين انتسابهم إلى الجهاز السري والتزامهم بصيغته وأهدافه.
والعنف هو النتيجة المفترضة للخلط وبذرته الخبيثة موجودة منذ البدايات الأولى للجماعة :
فعندما أصدرت جماعة الإخوان مجلتها النذير، تعجل الشيخ عبد الرحمن الساعاتي ( والد المرشد العام حسن البنا ) في أن يجعلها نذيراً للجميع فكتب في عددها الأول مقالاً عنوانه "استعدوا يا جنود" يقول فيه : "استعدوا يا جنود، وليأخذ كل منكم أهبته، ويعد سلاحه، ولا يلتفت منكم أحد، امضوا إلى حيث تؤمرون" .
ثم يقول : "خذوا هذه الأمة في رفق فما أحوجها إلى العناية والتدليل، وصفوا لها الدواء فكم على ضفاف النيل من قلب يعاني وجسم عليل، اعكفوا على إعداده في صيدليتكم، ولتقم على إعطائه فرقة الإنقاذ منكم، فإذا الأمة أبت فأوثقوا يديها بالقيود، وأثقلوا ظهرها بالحديد، وجرعوها الدواء بالقوة، وإن وجدتم في جسمها عضواً خبيثاً فاقطعوه، أو سرطاناً خطيراً فأزيلوه .. استعدوا يا جنود – فكثير من أبناء هذا الشعب في آذانهم وقر، وفي عيونهم عمى" .
بل إنهم يعتبرون – وحتى أكثرهم اعتدالاً – أن "القتل" سلاح في العمل السياسي يمكن لآحاد الناس أن يوقعه متى اعتقد أنه يقيم الحد .. ويسأل الشيخ محمد الغزالي [ أحد أكثر الإخوانيين اعتدالاً – بزعمهم -] في شهادته أمام المحكمة التي حاكمت قاتل "د. فرج فوده" ويجيب عبر الحوار التالي:
س – من الذي يملك إقامة الحد؟
ج – المفروض أن جهاز القضاء هو الذي يقوم بهذه المهمة ..
س – هل يبقى الحد على أصله من وجوب إقامته؟
ج – حكم الله لا يلغيه أحد، والحد واجب الإيقاع.
س- ماذا لو أوقعه فرد من آحاد الناس؟
ج- يعتبر مفتئتاً على السلطة، أدى ما ينبغي أن تقوم به السلطة.
س- هل هناك عقوبة للإفتئات على السلطة؟
ج- لا أذكر أية عقوبة في الإسلام.
وما من مجال لسرد كل الدعاوى الإخوانية التي تقرر أن العنف والإرهاب هو أساس الدعوة .. وجوهرها، فلقد يحتاج الأمر إلى مجلدات .. فقط أدعو القارئ إلى قراءة الكتب الآتية التي أصدرها قادة بارزون من الجماعة، بل لعلهم كانوا أبرز القادة الفعليين، فهم قادة الجهاز السري الذي كرس الإرهاب المتأسلم في مصر.
أحمد عادل كمال – النقط فوق الحروف. ويقول فيه: جماعة دون عنف يحميها .. تهريج.
صلاح شادي – حصاد العمر. [ ويورد مئات الوقائع عن ارتكاب أعمال إرهابية ].
عبد المنعم عبد الرؤوف – أرغمت فاروق على التنازل عن العرش. [ وفيه يؤكد أن الإخوان هم الذين حاولوا اغتيال عبد الناصر في حادث المنشية ويورد تفاصيل الترتيبات ].
محمود عبد الحليم – الإخوان المسلمون،أحداث صنعت التاريخ. [ وفيه يؤكد أن رئيس الجهاز السري للإخوان عبد الرحمن السندي هو الذي دبر قتل نائبه سيد فايز ويقول : "وقد ثبت ثبوتاً قاطعاً أن هذه الجريمة الأثيمة كانت بتدبير السندي".
وإذ يطالع القارئ هذه الكتب أو حتى واحداً منها سيجد فيضاً من المعلومات والأدلة والاعترافات والاتهامات المتبادلة .. تكفي وتزيد لإقناعه بأن جماعة الإخوان كانت المصدر الأساسي للإرهاب المتأسلم في العصر الحديث.
ولكن ليأذن لي القارئ أن نتوقف أمام كاتب إخواني من قادة الجهاز السري، نتوقف أمامه لأنه الأصرح والأوضح .. وربما الأفدح ، إنه محمود الصباغ، ونقرأ:
يبدأ عضو الجهاز الخاص بالبيعة " يدخل إلى حجرة مطفأة الأنوار، ويجلس على بساط في مواجهة أخ في الإسلام مغطى جسده تماماً من قمة رأسه إلى أخمص قدمه برداء أبيض، ثم يخرج من جانبه مسدساً ويطلب من المبايع أن يتحسسه، وأن يتحسس المصحف الشريف ثم يقول له: فإن خنت العهد أو أفشيت السر، فسوف يؤدي ذلك إلى إخلاء سبيل الجماعة منك، ويكون مأواك جهنم وبئس المصير ". -( قارن لزاما ببيعة الماسونية )- .
ما معنى " إخلاء سبيل الجماعة منك؟ " تأتي الإجابة في صفحة أخرى عندما يورد الأخ الصباغ نصوص لائحة الجهاز الخاص [ الجهاز السري لجماعة الإخوان ] م13 : " إن أية خيانة، أو إفشاء سر بحسن قصد، أو بسوء قصد يعرض صاحبه للإعدام وإخلاء سبيل الجماعة منه، مهما كانت منزلته، ومهما تحصن بالوسائل، واعتصم بالأسباب التي يراها كفيلة له بالحياة ".
بل أنه يعطي لنفسه ولزملائه الحق في القتل المباشر دون إذن من القيادة " إن أعضاء الجهاز يمتلكون-دون إذن أحد-الحق في اغتيال من يشاؤون من خصومهم السياسيين، فكلهم قارئ لسنة رسول الله في إباحة اغتيال أعداء الله".
فقط نلاحظ أن "خصومهم السياسيين" هم أعداء الله ويباح اغتيالهم.
بل إن الصباغ يغالي فيقول : " إن قتل أعداء الله [أي الخصوم السياسيين للجماعة] هو من شرائع الإسلام، ومن خدع الحرب فيها أن يسب المجاهد المسلمين وأن يضلل عدو الله بالكلام حتى يتمكن منه فيقتله" .
فقط يبقى أن نشير إلى أن مصطفى مشهور مرشد الجماعة هو صاحب مقدمة هذا الكتاب.
ومنذ البدايات الأولى حاول حسن البنا – وإن بحذر – أن يضع اللبنات الأولى للمفارقة بين عضو الجماعة والمجتمع حكاماً ومحكومين .. وللمفاصلة التامة بينهما. بل ولتكفير المجتمع .. حكاماً ومحكومين .
وفي رسالة التعاليم يحدد حسن البنا واجبات "الأخ المجاهد" وعددها 38 واجباً، الواجب رقم 25 منها يأمر العضو " أن تقاطع المحاكم والمدارس والهيئات التي تناهض فكرتك الإسلامية مقاطعة تامة ".
والبند رقم 37 يأمره "أن تتخلى عن صلتك بأية هيئة أو جماعة لا يكون الاتصال بها في مصلحة فكرتك" ، وعلى نهجه سار عبد القادر عوده .. إذ قرر تكفير كل قائل بالقانون الوضعي [ والغريب أنه ظل وحتى آخر حياته محامياً ويدير مكتباً كبيراً للمحاماة التي تعتمد وفقط على التحاكم إلى القانون الوضعي ].
ويقول مفكر إخواني آخر هو علي جريشه : "ولا خلاف في جهاد من منع بعض شريعة الله، وأولى به من منع كل الشريعة، والقعود عن الجهاد تهلكة نهى الله عنها".
وغني عن القول أن القول بتكفير كل من يقبل بالقانون الوضعي، وهو تكفير للحكم والمجتمع والمحكومين، أما القعود عن الجهاد ضد هذا المجتمع فهو "تهلكة نهى الله عنها".
ودونه صعوبة أن نكتشف أن جوهر فكرة التكفير ومن ثم "المفاصلة" مع المجتمع، والعنف ضده، قديمة قدم الدعوة ذاتها، وأن الذي أرسى أساسها هو مؤسس الجماعة ذاته .. الأستاذ حسن البنا.
والذين يتصورون أن الأستاذ سيد قطب أستاذ "التكفير" والذي انبثق من فكره كل دعاة الإرهاب المحدثون [ إلى درجة أنهم يسمون بالقطبيين ] كان شارداً عن خط الجماعة واهمون .. هو فقط وضع كلمات في موضعها الواضح، ولم يتلاعب بالألفاظ كما فعل سابقوه.
فيقول: "إن الإسلام لا يعرف إلا نوعين من المجتمعات: مجتمع إسلامي، ومجتمع جاهلي" والمجتمعات الجاهلية عند سيد قطب هي كل المجتمعات "الشيوعية والوثنية واليهودية والمسيحية، والمجتمعات التي تزعم أنها مسلمة".
وبشكل أوضح يقول: "يدخل في إطار المجتمع الجاهلي جميع المجتمعات القائمة على الأرض".
وكما قلنا لا حل وسط فهو يقول: " فنحن وهذه الجاهلية على مفرق الطريق .. فإما إسلام وإما جاهلية ، وإن وظيفتنا الأولى هي إحلال التصورات والتقاليد الإسلامية في مكان الجاهلية، ولن يكون هذا بمجاراة الجاهلية في بعض الخطوات لأننا حين نسايرها خطوة، فإننا نفقد المنهج كله ونفقد الطريق ".
وهو لا يعترف بإسلام المسلمين "إن الناس ليسوا مسلمين كما يدعون وهم يحيون حياة الجاهلية، ليس هذا إسلاماً، وليس هؤلاء مسلمين. والدعوة إنما تقوم لترد هؤلاء الجاهلين إلى الإسلام، ولتجعل منهم مسلمين من جديد".
تأملوا "لتجعل منهم مسلمين من جديد". وهو لا يعتبر أن الإسلام قائم إلا في حدود جماعته ومن ثم فهو يدعو إلى إعادة "إنشائه" ، قائلاً : "و ينبغي أن يكون مفهوماً لأصحاب الدعوة الإسلامية أنهم حين يدعون الناس إعادة إنشاء هذا الدين يجب أن يدعوهم أولاً إلى اعتناق العقيدة، حتى ولو كانوا يدعون أنفسهم مسلمين، وتشهد لهم شهادات الميلاد بأنهم مسلمون، فإذا دخل في هذا الدين عصبة من الناس، فهذه العصبة هي التي يطلق عليها اسم المجتمع المسلم".
ما معنى ذلك كله؟ ما معنى تكفير المسلمين جميعاً .. حكاماً ومحكومين .. معناه ببساطة أنهم جميعاً مرتدون. ثم .. الإرهاب.
وهكذا فإن الإرهاب يأتي منقاداً وبشكل طبيعي للفكرة الأولى الذي وضع بذرتها حسن البنا ومدها على استقامتها سيد قطب .
ولعل وضوح وصراحة سيد قطب قد دفعت كثيراً من الإخوانيين المعتادين على "التقية" والممالأة، والتلاعب بالكلمات إلى القول بأن سيد قطب قد تباعد عن فكر الجماعة . مستندين في ذلك إلى كتاب "دعاة لا قضاة" الذي أصدره حسن الهضيبي [مرشد الإخوان آنذاك] وهو في السجن. ناسين أن الهضيبي كان كغيره من قادة الجماعة، يجاهر أحياناً بغير ما يعتقد، وملتجئاً إلى "التقية" ولنا على ذلك أدلة عديدة ..
"أرسل الأستاذ الهضيبي من سجن طره إلى الإخوان في الواحات مؤكداً أن تفسير الأخ سيد قطب للقرآن هو الحق الذي لا يسع أي مسلم أن يقول بغيره" .
ولقد يقول قائل – ولقد يكون – على حق – أن هذه أقوال متهم قد أجبر عليها تحت وطأة التعذيب.
فلنأت إلى شهادة أخرى، كتبت في الزمن السعيد زمن التهادن بين الإخوان والسادات.
الأخت زينب الغزالي تقول "إن فضيلة المرشد [الأستاذ الهضيبي] قد قرأ كتاب معالم في الطريق، وأعاد قراءته قبل طبعه، ووافق عليه .. وقال أن هذا الكتاب قد حصر أمله كله في سيد ، وأنه الأمل المرتجى للدعوة الآن".
وفي كتاب آخر أصدره واحد من مفكري الجماعة [ صفوت منصور] نقرأ " والأستاذ سيد قطب صاحب كتاب معالم في الطريق يعد في ميزان الرجال عماداً هائلاً في تجديد شباب الحركة الإسلامية والامتداد الفكري والحركي لجماعة الإخوان المسلمين " .
ويعود فيؤكد أن فكر سيد قطب "هو امتداد لفكر جماعة الإخوان المسلمين، وتجديد لشبابها الفكري والحركي"
وقائد إخواني مبرز هو صلاح شادي يكتب كتاباً أسماه "الشهيدان – حسن البنا وسيد قطب" يقول فيه : "لقد كان حسن البنا البذرة الصالحة للفكر الإسلامي، وكان سيد قطب الثمرة الناضجة لهذا الفكر" .
وبعد كل هذا :
صدرت مذكرة عبد الرحمن عمار المرفوعة إلى مجلس الوزراء بشأن طلب حل جماعة الإخوان المسلمين على قرار اتهام طويل يعيد إلى الأذهان كل أعمال العنف التي ارتكبتها الجماعة، حتى تلك التي ارتكبتها بإيعاز من السلطات ولخدمة مصالحها.
فمن بين التهم الثلاث عشرة التي ساقتها المذكرة نجد:
1. أن الجماعة كانت تعد للإطاحة بالنظام السياسي القائم وذلك عن طريق الإرهاب مستخدمة تشكيلات مدربة عسكرياً هي فرق الجوالة.
2. مسئولية الجماعة عن مقتل أحد خصومها السياسيين (وفدي) في بورسعيد.
3. مسئولية الجماعة بحيازة أسلحة ومفرقعات ومتفجرات (حادث المقطم – مستودع السلاح بعزبة الشيخ محمد فرغلي – ضبط مصنع للمتفجرات بالإسماعيلية).
4. نسف فندق الملك جورج بالإسماعيلية .
5. نسف العديد من المنشآت التجارية المملوكة لليهود.
6. الاعتداء على رجال الأمن أثناء تأدية وظيفتهم.
7. إرهاب أصحاب المنشآت التجارية وتهديدهم بهدف الحصول على "تبرعات" و"اشتراكات" مدفوعة مقدماً لصحيفة الجماعة.
وبناء على هذه المذكرة أصدر الحاكم العسكري العام ( محمود فهمي النقراشي باشا ) قراراً عسكرياً من تسعة مواد تنص مادته الأولى: تحل فوراً الجمعية المعروفة باسم جماعة الإخوان المسلمين بشعبها أينما وجدت، وتغلق الأمكنة المخصصة لنشاطها، وتضبط جميع الأوراق والوثائق والسجلات والمطبوعات والمبالغ والأموال وعلى العموم كافة الأشياء المملوكة للجمعية.
ويحظر على أتباعها والمنتمين إليها بأية صفة كانت مواصلة نشاط الجمعية وبوجه خاص عقد اجتماعات لها أو لإحدى شعبها أو تنظيم مثل هذه الاجتماعات أو الدعوة إليها وجمع الإعانات، أو الاشتراكات أو الشروع في شيء من ذلك .. ويعد من الاجتماعات المحظورة في تطبيق هذا الحكم اجتماع خمسة فأكثر من الأشخاص الذين كانوا أعضاء بالجمعية المذكورة. كما يحظر على كل شخص طبيعي أو معنوي السماح باستعمال أي مكان تابع له لعقد مثل هذه الاجتماعات، أو تقديم أي مساعدة أدبية أو مادية أخرى.
وتنص المادة الثالثة "على كل شخص كان عضواً في الجمعية المنحلة أو منتمياً لها وكان مؤتمناً على أوراق أو مستندات أو دفاتر أو سجلات أو أدوات أو أشياء أن يسلمها إلى مركز البوليس المقيم في دائرته في خلال خمسة أيام من تاريخ نشر هذا الأمر".
أما المادة الرابعة فتنص على تعيين "مندوب خاص مهمته استلام جميع أموال الجمعية المنحلة وتصفية ما يرى تصفيته، ويخصص الناتج للأعمال الخيرية أو الاجتماعية التي يحددها وزير الشئون".
ودارت ماكينة العنف البوليسي ضد الإخوان .. هؤلاء الذين باركوا دورانها ضد خصومهم من الوفديين والتقدميين والشيوعيين فإذا بغول الديكتاتورية يبتلعهم هم أيضاً.
والمعتقلات التي افتتحت في ظل مباركة الإخوان وتهليلهم يوم 15 مايو (أيار) 1948 (بمناسبة حرب فلسطين) والتي استقبلت خصومهم السياسيين، أخذت تتوسع كي تستقبل الألوف من أعضاء الإخوان.
ويقول البنا أنه قد تم فصل 150 موظفاً، وشرد من القاهرة وحدها إلى الوجه القبلي 500 موظف ، وأبعد عن كليات الجامعة والمدارس الثانوية نحو ألف طالب.
وفي 28 ديسمبر (كانون الأول) وقعت الواقعة التي صعدت المأساة إلى أعلى قممها إذ قام طالب في الثالثة والعشرين من عمره (عبد المجيد أحمد حسن) بإطلاق رصاصتين محكمتي التصويب على رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي باشا.
وأتى إبراهيم عبد الهادي ليدير ماكينة العنف الرسمي إلى أقصى مداها، ولتتسع دائرة الاعتقالات في صفوف الإخوان فتشمل 4000 معتقل، وتعرض بعض المعتقلين لأقصى درجات التعذيب الوحشي الذي لم تعرف له مصر مثيلاً من قبل، وباختصار "كانت الستة أشهر التالية لتولي إبراهيم عبد الهادي الحكم صورة راسخة في أذهان المصريين جميعاً للسلطة الرسمية الغاشمة وقد اكتسب عبد الهادي لنفسه خلالها عداء كافة فئات الرأي العام المصري".
ولعل شكوكاً كثيرة قد ساورت هؤلاء الشبان من أعضاء الجهاز السري وهم يعانون من التعذيب الوحشي في جدوى عملية الإرهاب ضد خصومهم، وربما في مدى مشروعيتها. وفي مدى انطباق "فكرة الجهاد" على ما ارتكبوه من أعمال، ولعل فتاوى مفتي الديار المصرية، وبيانات شيخ الأزهر وهيئة كبار العلماء التي تدين أعمالهم قد أثرت فيهم كثيراً.
لكن الطامة الكبرى جاءت عندما استنكر البنا نفسه هذه الأعمال واتهم القائمين بها بأنهم "ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين" والتاريخ يعيد نفسه !!! ، وهنا انهار المتهمون جميعاً، فقد كان صمودهم واحتمالهم للتعذيب يستمد كل صلابته من "البيعة" التي أقسموا بها بين يدي الشيخ أو من يمثله في حجرة مظلمة .. فإذا تخلى الشيخ عنهم وعن فكرة "الجهاد" كما لقنها لهم .. فماذا يبقى؟
ولقد صمد عبد المجيد حسن ثلاثة أسابيع كاملة في مواجهة تعذيب وحشي ضده وضد أسرته، لكنه ما لبث أن انهار تماماً عندما قرأ بيان الشيخ البنا الذي نشرته الصحف.
والحقيقة أن نزوع الإخوان إلى الإرهاب، كان خطأ فادحاً مكن الخصوم من استخدام العنف الرسمي في أقصى صورة ضدهم. كذلك فقد عزلهم هذا الإرهاب عن الكثير من القوى التي اعتادت العطف عليهم أو النظر إلى دعوتهم بعين الرضا.
لكن استنكار الجهاز السري وجرائمه لم يأت من خارج الجماعة فقط، بل لعله أتى اكثر ما أتى من داخلها .. بل من شيخها ومن منشئها ومؤسس الجهاز السري نفسه. والتاريخ يعيد نفسه !!!
وعودا على رأس التكفير والإرهاب :
وإذا كان حسن البنا هو البذرة الصالحة فإن سيد قطب هو الثمرة الناضجة .. أو على الأقل هذا هو رأي واحد من كبار رجال الجماعة. إنه "صلاح شادي" الذي كان مسئولاً عن قسم "الوحدات" بالجماعة [ الفرع الأكثر سرية من الجهاز السري، فهو الفرع الخاص بأعضاء الجماعة في الجيش والبوليس ].
ولم يحدث أبداً أن وجه إخواني أياً كان مرتبته أي نقد، أو شبه نقد لممارسات أو كتابات سيد قطب. وسيد قطب –وهو شخصية مثيرة لجدل شديد –هو سيد عصر الإرهاب الحالي.
فكل الإرهابيين الذين ملأوا الدنيا قتلاً وسفكاً للدماء هم " قطبيون " أي أنهم من أتباعه. وفي سجن "طره" بدأ سيد قطب في استقطاب أكثر عناصر شباب الجماعة تشدداً ليكون منهم تياراً ينتقد اعتدال البعض من رموز الجماعة، ويدعو إلى تكفير المجتمع [ الحاكم والمحكوم على السواء ] .
وكان من أبرز تلاميذه في السجن " شكري مصطفى " الذي سرعان ما كون بعد خروجه من السجن " الجماعة المسلمة" التي أسميت إعلامياً بجماعة "التكفير والهجرة" ، ومن هذه الجماعة الشديدة التشدد والتي تعرضت لضربات قاصمة في أعقاب اختطافها للشيخ الذهبي واغتياله .. تولدت جماعات عدة لعل كل منها كان أكثر تطرفاً مما سبقه.
لكن سيد قطب هو صاحب نواة كرة الثلج التي تضخمت لتفرز لنا كل الإرهابيين من أعضاء "جماعة الجهاد" و" الجماعة الإسلامية " وما أفرزتاه من تكوينات تالية .
ولقد يتململ بعض الإخوان من نسبتهم إلى هذه التداعيات ، لكن الشيء المؤكد أن أحداً لم يجرؤ أو يتجاسر أن ينطق بكلمة نقد واحدة لفكرة أو كلمة أو فعل من أقوال أو أفعال سيد قطب.
أليس هو " الثمرة الناضجة " للدعوة. أليس هو " الأمل المرتجي للدعوة " كما أكد الهضيبي المرشد العام للإخوان على زمن سيد قطب؟
بل أن أحداً من الإخوان لم يوجه أي نقد أو إدانة لكل ما ارتكبه الإرهابيون من مجازر. يتنصلون منها نعم. أما إدانتها وإدانة القائمين بها أو القائلين بضرورتها فلا.
ويبقى معلقاً في عنق الجماعة كل فعل أو قول، وكل قطرة دم أريقت بأيدي الإرهابيين حتى يعلنوا براءتهم منها، ويعلنوا إدانتهم لها ، وعلى رأسها كتب سيد قطب .
والغريب أن هؤلاء الإرهابيون يسارعون من قبيل التفقه، بتحريم عشرات الأفعال والأقوال والكتابات ، لكن أحداً منهم لم يحرم حرفاً مما كتبه هؤلاء الإرهابيون الجدد ابتداءاً من سيد قطب وحتى عمر عبد الرحمن وعبود الزمر وأسامة بن لادن وأمثالهم. ولم يحرم فعلاً مما فعلوا. هو فقط يقول لم أفعل. ولكن أين واجب المسلم في تبيان الحق .. أليس " الساكت عن الحق شيطان أخرس؟ " .
الإخوان وتفريخ الجماعات التكفيرية :
ومع وجود قيادة للجماعة منغلقة على نفسها، ولا تمتلك لا الكفاءة الفكرية ولا التنظيمية التي اعتاد عليها الإخوانيون.
ومع بروز قيادات من الكوادر الوسطى اكتسبت في ظل ظروف محددة بعضاً من وجود جماهيري. وهي قيادات قدمت إلى الجماعة من صفوف " كرة الثلج " التي ولدها سيد قطب. أي من صفوف الجامعات الجهادية كما يسمونها. دخلوا الجماعة شباناً [ طلاباً أو خريجين جدداً ] صعدوا خطوة أو خطوتين ثم .. كفى.
فالحصون العليا في قيادة الجماعة محصنة لا يمسها إلا "المقربون" ابن المرشد المؤسس وابن المرشد التالي. أما هؤلاء الغرباء فلا مكان لهم في قمم القيادة الإخوانية.
ثم بدأت القيادة تلعب لعبة غريبة. تورط قواعدها ولا تتورط هي. هم يسجنون وهي تنجو.
ولعل الأمن قد أسهم في هذه اللعبة ربما [ أقول ربما ] عن وعي.
الأمن يقبض على الكوادر الوسطى، يحاكمها، ويسجنها، بينما " القيادة " تعيش في مأمن.
ويبدو غريباً. وربما مريباً أن يقبض على مئات من أعضاء القيادات الوسطى الإخوانية بتهمة الانضمام إلى الجماعة وهي تنظيم محظور، وتكون الأدلة كتابات ومطبوعات إخوانية كتابها ومؤلفوها من أعضاء مكتب الإرشاد الذي يعيش حراً طليقاً، بل ويعلن أعضاؤه عن مواقعهم في الجماعة.
فالعضو يسجن لأنه يشتبه في أنه منضم للجماعة ، بينما الأستاذ مصطفى مشهور كان يعلن في كل يوم أنه المرشد العام .. والمستشار مأمون الهضيبي يعلن وعلناً أنه نائبه.
هذا المنطق المفتقد أثار حفيظة الكوادر الوسطى، خاصة وأن المواقع القيادية قد حجبت عنها قصراً.
وأن الجماعة تفتقد أي شكل من أشكال الديموقراطية – زعموا - ، فأية ديموقراطية مع من بايعته " أميراً " أو " مرشداً " . بايعته "على السمع والطاعة في المنشط والمكره" ، ومن تلقنت دوماً أنه يتحتم عليك أن " تطيعه وإن ضربك على ظهرك وبطنك "؟
وأية ديموقراطية فيما أسمي ببيعة المقابر؟ حيث وبشكل مفاجئ بويع مصطفى مشهور مرشداً للجماعة خلال مراسم دفن المرشد السابق .. بايعه المشيعون دون ترتيب، ودون احتراز من أن يكون المبايعون لا يمثلون الجماعة تمثيلاً حقيقياً. أو حتى لا يكونون أعضاء فيها.
وأية ديموقراطية مع مرشد عام هو واحد من الرعيل الأول لمؤسسي الجهاز السري الذي يفرض طاعة مضاعفة، وخضوعاً لا نقص فيه.
وهكذا بدأ التململ في صفوف الكوادر الوسطى، وظهرت تداعيات جديدة. إنشقاقات من الجماعة بعضها أسمى نفسه "حزب الوسط" [ تحت التأسيس ] والآخر "حزب الشريعة" [ أيضاً تحت التأسيس ] .
وآخرون كثيرون .. متمردون صامتون، أو منسحبون دون ضجيج، أو يستعدون لذات الشيء.
لكن التداعيات ومهما حاولت أن تتزين تبقى مفعمة بثوابت الأصل. مثله ، مثقلة بكل نوازعه وكل مقولاته الإرهابية. وإن تزينت أو تجملت أو حاولت .
ونعود لنؤكد ما كررنا من قبل أن الإرهاب يبدأ فكراً. يبدأ بفكرة خبيثة متأسلمة، لا تلبث أن تقتاد صاحبها أو متلقيها خطوة خطوة في طريق المفاصلة مع المجتمع، أو مع كل مختلف معه، ويصبح الآخر هو العدو ، وبالضرورة الكافر .. الذي يجب جهاده أو أن يقام عليه حد الردة.
إن جميع ما سيق هنا من كلام القوم ، لم يفتر عليهم ، ولم يتقول عليهم ، ولم يحمل كلامهم ما لا يحتمل ، ولم يلحق بهم ما يتبرؤن منه ، إنما هو شهادتهم على أنفسهم ، ومن أفواههم ندينهم .
وهذه بعض المراجع – الإخوانية - لمزيد من عفن القوم وإدانتهم لأنفسهم :
1- ( ذكريات لا مذكرات ) – عمر التلمساني
2- ( التنظيم الخاص ) – محمود الصباغ
3- ( الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ ) – محمود عبدالحليم
4- ( حصاد العمر ) – صلاح شادي
5- ( الشهيدان حسن البنا ، وسيد قطب ) – صلاح شادي
6- ( النقط فوق الحروف ) – أحمد عادل كمال
7- ( التاريخ السري للإخوان المسلمين ) – علي العشماوي