الإخوة الكرام: أهالى مدينة المنصورة، أُحييكم من القلب، وأشكركم جميعاً على دعوتى للمشاركة معكم فى هذا اليوم الذى سَيُسَجِّلهُ التاريخ فى إطار العمل المُقاوِم، ليس ضد الاحتلال فقط، على النحو الذى ناضل فيه أجدادكم، فأسَروا لويس التاسع عشر فى الدار التى تبعد عن هذا المكان خطوات، دار بن لقمان، ولكن أيضاً ضد الديكتاتورية والاستبداد والفساد، الذى نحيا فيه اليوم، وكلها بلايا لا تقل عن بلايا الاحتلال، فلكم منى كل التحية، ولأجدادكم كل التعظيم والإكبار، ولا يفوتنى أن أخصَّ بالشكر ذلك الرمز العظيم، ليس لأهالى المنصورة فقط، ولكن لمصر كلها، وهو الدكتور محمد غنيم، الذى كان لدعوته لشخصى أبلغ الأثر فى أن أتغلب على ظروفى العائلية، لأشرف بلقائكم.

■ وبمناسبة ذكر الدكتور غنيم، الذى يُمثل رمز الكفاءة المهنية والوطنية، فإن فى وجوده داخل الجمعية الوطنية للتغيير ردًّا على كل ما يثار بشأن المعارضة المصرية، ورجال المعارضة المصرية، ووصفهم زوراً بأنهم محترفو سياسة، لا أكثر ولا أقل، ومثل الدكتور غنيم، صاحب التاريخ العلمى والمهنى والوطنى المشرف، الدكتور محمد أبوالغار، عالم الطب الجليل، والدكتور حسن نافعة، عالم السياسة الكبير، والدكتور عبدالجليل مصطفى، الطبيب الماهر الناجح، والأستاذ حمدى قنديل، الإعلامى القدير، والدكتور علاء الأسوانى الروائى الأشهر وطبيب الأسنان الماهر، وتلك الأسماءُ جميعها لم يسبق لها الانشغال بالعمل السياسى عبر الأحزاب والجماعات السياسية، ولكنهم جميعاً يتميزون بالكفاءة والأهلية المهنية والوطنية، فوجودهم هو أبلغ رد على كل من يتهم جمعية التغيير الوطنية باتهامات الاحتراف السياسى والاسترزاق، على النحو الذى يتجسد بوضوح فى قيادات الحزب الوطنى.

■ وبمناسبة ذلك أيضاً فإننى أختلف مع الدكتور البرادعى نفسه، فى تحفظه على مؤسسى الجمعية الوطنية للتغيير، لذات السبب، لأنه تحفظٌ فى غير محله، ولأنه هو أيضاً قد جاء من خلفيةٍ مهنية، وصاحب كفاءةٍ وأهلية، وليس من خلفيةٍ سياسية، ولعل هذا الملمح هو ما أصَلَّهُ أخونا الأستاذ الدكتور مصطفى حجازى، بشىءٍ من التفصيل فى مناسباتٍ مختلفة.

■ الإخوة الأفاضل: على مسافةٍ قريبة من هذا المكان، دبَّ خلافٌ بين زميلين فاضلين، أحدهما محامٍ والآخر وكيل للنائب العام، وكان من الممكن أن يَخمُدَ هذا النـزاعُ فى لحظاتٍ، وأن يُمحى له كل أثرٍ فى ثوانٍ معدوداتٍ، ولكن إفرازات دولة الاستبداد كان لها رأىٌ آخر، فبعد مرور ساعات من الواقعة انتقل النـزاع من مدينة طنطا إلى القاهرة، ومن سراى النيابة إلى الفضائيات، ومن إطار الزمالة إلى ساحات العداوة، واختلف المشهد، وتصدرته صورتان: الأولى، صورةٌ لنقيب المحامين، والثانية، صورةٌ لرئيس نادى القضاة، وكلاهما كان يصرخُ بأعلى صوته رافعاً شعارات العدالة التى يجب أن تأخذ مجراها، والمساواة التى يجب أن تسود، والقانون الذى يجب أن يعلو فوق الجميع! وعلى مستواى الشخصى فقد كنت أتمنى أن أصدقهما، وأن أقتنع بما يقولانه، أو على الأقل ببعض قولهما، إلّا أن سوابقهما كانت توحى إلىَّ بغير ذلك، فقد سكت الاثنان حين خرج قاضٍ كبير قبل الواقعة بيومٍ واحدٍ ليعلن على الملأ أن انتخابات مجلس الشورى قد تمت صحيحةً وسليمةً مائة بالمائة، وأنه لم يَشُبها شائبةُ تزوير واحدة، هذا القاضى الذى ينتمى إلى نادى القضاة، رئاسة المُتَحدِّث الثانى، وهذا القاضى أيضاً الذى أَشرَفَ على انتخابات الشورى بمحافظة الجيزة، التى زُوِّرَتْ كلها لصالح نقيب المحامين!! كان ـ بحق ــ مشهداً عبثياً سَكَتَ فيه الاثنان بالأمس، سَكَتَا وأَمسَكَا عن الحديث بشأن سيادة القانون والعدالة والمساواة، ثم انطلقا بصراخهما فى اليوم التالى مؤكدين تمسكهما بالعدالة وسيادة القانون والمساواة، فهل تصدقون ذلك؟!

■ أتصور، أيها الإخوة الكرام، أن عشرات الحرائق المشتعلة ستواجهنا فى الأيام المقبلة، على غرار حريق المحامين والقضاة، وسوف تبدأ صغيرة، ثم سرعان ما سينفخون فيها لتشتعل أكثر وأكثر، وسوف تتوزع أماكنها وأنواعها وتوقيتاتها وشخوصها، وسوف يظلُّ المحرك واحداً، لأن المستفيد واحد، المستفيد هو الحاكم المستبد الذى فشلت كل خططه وبرامجـه وأفكاره فى كسر إرادة هذا الشعب وتركيعه، فلجأَ إلى نظام الحرائق.

■ أختلف ثانياً مع الدكتور البرادعى، رمز الجمعية الوطنية العظيم، فى إجابته عن سؤال المذيع عمرو أديب، حين سأله: لو كنت رئيساً للجمهورية ماذا كنت ستفعل فى أزمة المحامين والقضاة؟ قال البرادعى: أُطَبِّقْ القانون! فَعَاوَدَ عمرو أديب السؤال والحصار مرةً أخرى: يعنى إيه تطبق القانون؟ فعاود البرادعى: يعنى القانون يَاخَد مجراه! وتكرر السؤال وتكررت الإجابة بذات المعنى، فبدا عمرو أديب أمام المشاهدين وكأنه كسب الجولة أمام إجابات الدكتور البرادعى العامة، غير المحددة! ورأيى أن الإجابة الصحيحة عن سؤال عمرو أديب أن سؤاله خطأ، نعم سؤاله خطأ، وأن السؤال الصحيح ينبغى أن يكون: لو أنك رئيسٌ للجمهورية ماذا ستفعل فى الحرائق القادمة؟ هذا هو السؤال الصحيح، وإجابة هذا السؤال هنا فى هذا المؤتمر، هنا على وجوه الحاضرين من أهالى المنصورة الكرام، شباباً وشيوخاً، نساءً ورجالاً، مسلمين وأقباطاً، يساريين ويمينيين وإسلاميين وغير مُؤدلجين، هنا اجتمع الكلُّ على أن الحل الأوحد فى تجنب الحرائق القادمة هو إنهاءُ حالة الاستبداد، ووضع حدٍ لهذا الفساد والدمار والخراب، الذى يمارسه الحاكم وأعوانه بالليل وبالنهار، أمَّا ما حدث بشأن أزمة المحامين والقضاة فقد احترق فيه الكثير، وسقطت معه قيمٌ وأخلاقٌ ومُثُلٌ يصعُب تداركها.

إن القلوب إذا تناثـر ودُّها.. شبه الزجاجة كسرهـا لا يُشعبُ!

لقد جُرحت العدالة، بل طُعِنَت فى مقتلٍ، وعلاجها وترميمها يحتاج إلى عقودٍ من الزمان، وهممٍ عاليةٍ من الرجال.

■ وأقصد بالرجال.. أولئك الذين يقفون مع الحق أينما كان، ومع العدل حيث يجب، ومع المساواة فى كل وقت وحين، رجالٌ لا يقبلون بالتزوير بالأمس، ثم ينادون بالعدل اليوم..!!

■ وبمناسبة الحديث عن التزوير، فإننى أرجو أن ينتهى زملائى وإخوانى أعضاء الجمعية الوطنية فى مباحثاتهم ومناقشاتهم الدائرة إلى قرار بمقاطعة انتخابات مجلس الشعب القادمة، كما أرجو من كل القوى السياسية المشارِكة بالجمعيـة إعلان مواقفها بكل وضوح، وأنأى بها – وفى مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين – من الاستمرار معنا فى مناقشة المقاطعة، فى حين أنها قررت سلفاً المشاركة فى الانتخابات، فهذا مما لا يليق، بنا ولا بهم، كما لا نحب أن نسمع بعد سنوات، أن أحداً كان بينه وبين أجهزة الأمن أى تنسيق من أى نوع، أو حتى تفاهم!!

■ أيها الأخوةُ الكرام، نحن نعيشُ حالة العجز الدائم، وهى الحالةُ التى تمهدُ لمزيدٍ من الحرائق، إن المادة 84 من الدستور نصت على أنه « فى حالة عجز رئيس الجمهورية الدائم عن العمل يتولى الرئاسة مؤقتاً رئيس مجلس الشعب، وإذا كان مجلس الشعب منحلاً حلَّ محله رئيس المحكمة الدستورية العليا»، والحكايات عن الحالة الصحية لرئيس الجمهورية طالت واستطالت، وزادت معها كميةُ الحرائق فى مصر ونوعيتها، لأن رئيس الجمهورية وحده يملك أكثر من ستين اختصاصاً بمقتضى الدستور والقانون، جميعها معطلة، فهو رئيس السلطة التنفيذية، وهو من يقوم بوضع السياسة العامة للدولة، وهو من يعين رئيس الوزراء والوزراء ونوابهم، وهو من يعين نائب رئيس الجمهورية، والموظفين والممثلين السياسيين، وهو المنوط به إصدار لوائح الضبط، وله سلطة سَنّ القوانين واقتراحها وإصدارها والاعتراض عليها، وله سلطة تعديل الدستور، وله سلطة إعلان الطوارئ وتقدير حالة الضرورة، وله سلطة إصدار القرارات اللازمة لإنشاء وتنظيم المرافق، وسلطة العفو عن العقوبة أو تخفيفها، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ورئيس المجلس الأعلى للهيئات القضائية، ورئيس مجلس الدفاع الوطنى، والرئيس الأعلى لهيئة الشرطة، وغير ذلك من الاختصاصات التى لا يتسع المجالُ لذكرها. فالحالة الصحية للرئيس لم يعد السكوتُ أمامها يدخلُ فى مجال التأدب والاحترام، وإنما أصبح نوعاً من التستر، والسكوت الممجوج، واستمراراً لعذاب مهين يعيشه الشعب المصرى.